**الأزمة السياسية في كوريا الجنوبية: تداعيات اقتصادية ومخاوف متصاعدة**
تشهد كوريا الجنوبية، صاحبة الاقتصاد العاشر
عالميًا، أزمة سياسية حادة تهدد بتقويض الثقة في اقتصادها المتين، وتلقي بظلالها
على استقرار الأسواق المالية.
**الأزمة السياسية في كوريا الجنوبية: تداعيات اقتصادية ومخاوف متصاعدة** |
فبعد محاولة فاشلة لفرض الأحكام العرفية، وعزل
رئيس الجمهورية ثم خليفته بالإنابة، تجد البلاد نفسها في خضم حالة من عدم اليقين
السياسي والاقتصادي، مما يستدعي تحليلًا متعمقًا للأسباب والتداعيات المحتملة.
**شرارة الأزمة محاولة فرض الأحكام العرفية وعزل الرئاسة**
بدأت الشرارة الأولى للأزمة مع إعلان الرئيس يون
سوك يول، المنتمي للتيار المحافظ، عن نيته فرض الأحكام العرفية، وذلك على خلفية
خلافات حادة مع المعارضة حول الموازنة العامة. وقد أثارت هذه الخطوة، التي اعتبرت
تجاوزًا للسلطات الدستورية، ردود فعل غاضبة، وتوجت بتصويت البرلمان لصالح عزله في
14 ديسمبر الجاري.
- لم تتوقف الأمور عند هذا الحد
- فبعد عزل يون، تولى هان داك سو الرئاسة بالإنابة
- إلا أن البرلمان سرعان ما قام بعزله أيضًا
- وذلك بسبب رفضه المطالب الداعية إلى إتمام إجراءات
- إقالة يون وتقديمه للعدالة.
- هذه الخطوة غير المسبوقة بعزل رئيس بالإنابة
- زادت من تعقيد المشهد السياسي، وأدخلت البلاد في دوامة من عدم الاستقرار
- مما دفع وزير المالية شوي سانغ موك لتولي مهام الرئاسة مؤقتًا
- متعهدًا ببذل قصارى جهده لإنهاء الأزمة.
**التداعيات الاقتصادية عملة متهاوية وثقة متراجعة**
لم يكد يمر وقت طويل على هذه الأحداث، حتى بدأت
تظهر التداعيات الاقتصادية السلبية. فقد تراجع الوون الكوري الجنوبي (العملة
المحلية) إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ عام 2009، مسجلًا انخفاضًا شبه
متواصل منذ محاولة الرئيس يون فرض الأحكام العرفية. هذا التراجع يعكس قلق
المستثمرين والمتعاملين في الأسواق المالية من الوضع السياسي المتأزم، والذي يهدد
بتعطيل الإصلاحات الاقتصادية وتأجيل الاستثمارات.
- بالإضافة إلى ذلك، تراجعت ثقة الأعمال والمستهلكين
- في رابع أكبر اقتصاد في آسيا
- مسجلة أكبر انخفاض منذ بداية جائحة "كوفيد-19"
- وذلك وفقًا لبيانات صادرة عن المصرف المركزي الكوري.
- هذا التراجع في الثقة يؤثر بشكل مباشر
- على الإنفاق الاستهلاكي والاستثمارات
- مما يزيد
من المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي.
**موازنة معارضة وتحديات اقتصادية متزايدة**
يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي، أن الرئيس
الموقت الجديد ورث موازنة 2025 التي أقرتها المعارضة وحدها، وهي تقل بمقدار 4.1
تريليونات وون (2.8 مليار دولار) عما كانت الحكومة تريده. هذا الخلاف حول الموازنة
يزيد من صعوبة إدارة الاقتصاد في ظل هذه الظروف الصعبة، وقد يؤدي إلى تأخير أو
عرقلة تنفيذ بعض المشاريع والبرامج الاقتصادية.
- بالإضافة إلى الأزمة السياسية
- يواجه الاقتصاد الكوري الجنوبي تحديات اقتصادية أخرى
- مثل تباطؤ النمو العالمي، وتراجع الطلب على أشباه الموصلات
- وهي إحدى الصادرات الرئيسية للبلاد.
- هذه التحديات تزيد من الضغوط على الاقتصاد الكوري
- وتجعل من الصعب عليه تحقيق النمو المستهدف.
**المحكمة الدستورية حجر الزاوية في الأزمة**
يبقى مصير الرئيس يون رهنًا بقرار المحكمة
الدستورية، التي يجب عليها المصادقة على قرار عزله من عدمه في مهلة أقصاها ستة
أشهر. وتكمن أهمية المحكمة في أنها السلطة الوحيدة المخولة بالبت في دستورية
إجراءات العزل، وقرارها سيكون نهائيًا وملزمًا لجميع الأطراف.
- في حال عدم تعيين قضاة في المقاعد الثلاثة الشاغرة
- قبل نهاية الإجراءات، يجب على القضاة الستة في المحكمة
- أن يتخذوا القرار بالإجماع حول عزل يون نهائيًا من الرئاسة
- وإذا صوت قاض واحد من الستة ضد قرار العزل
- سيتولى يون مهامه الرئاسية مجددًا.
- هذه التعقيدات القانونية تزيد من حالة عدم اليقين
- وتجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل الأزمة.
**تفاؤل حذر مرونة الاقتصاد الكوري وتاريخه في الصمود**
على الرغم من هذه التحديات، هناك بعض الأصوات
المتفائلة التي ترى أن الاقتصاد الكوري الجنوبي يتمتع بالمرونة الكافية لتجاوز هذه
الأزمة. فمنذ إعلان يون الأحكام العرفية، وعد البنك المركزي بضخ سيولة كافية
لاستقرار الأسواق، وخسر مؤشر الأسهم أقل من أربعة في المئة منذ بداية الأزمة.
- يشير المتخصصون إلى أن كوريا الجنوبية
- قد تحولت في غضون سنوات معدودة من كونها دولة غير متطورة
- إلى أحد أكثر الاقتصادات دينامية في العالم
- وأن مؤسساتها الديمقراطية ومجتمعها الناضج
- يتمتعان بالقدرة على الصمود في وجه الصدمات.
- كما أن تاريخ كوريا الجنوبية في تجاوز الأزمات الاقتصادية السابقة
- يمنح بعض الثقة في قدرتها على تخطي هذه الأزمة أيضًا.
**الخصائص والمقومات الاقتصادية لكوريا الجنوبية**
لكي نفهم بشكل أعمق قدرة كوريا الجنوبية على
الصمود، لا بد من الإشارة إلى بعض الخصائص والمقومات الاقتصادية التي تميزها:
* **اقتصاد
متنوع:** يحتل اقتصاد كوريا الجنوبية المرتبة العاشرة عالميًا من حيث الناتج
المحلي الإجمالي، إذ بلغ نحو تريليوني دولار أميركي في 2023. يتميز الاقتصاد
الكوري بالتنوع، حيث يشمل قطاعات التصنيع والخدمات والتكنولوجيا، مما يقلل من
اعتماده على قطاع واحد فقط.
* **قطاع
صناعي قوي:** يمثل قطاع التصنيع نحو 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي،
وتتركز أبرز الصناعات على الإلكترونيات مثل شركة "سامسونغ"، والسيارات
مثل شركتي "هيونداي" و"كيا"، إضافة إلى بناء السفن. هذه
الصناعات تتمتع بقدرة تنافسية عالية في الأسواق العالمية.
* **قطاع
خدمات متطور:** يمثل قطاع الخدمات النسبة الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي، إذ
يوفر فرص عمل لغالبية السكان. يشمل هذا القطاع مجالات متنوعة مثل التمويل والتأمين
والاتصالات والسياحة والتعليم.
* **قوة
تصديرية:** تعد كوريا الجنوبية من أكبر الدول المصدرة عالميًا، لمنتجات أشباه
الموصلات والهواتف الذكية والسيارات لشركاء تجاريين رئيسين مثل الصين، والولايات
المتحدة، والاتحاد الأوروبي. هذا القطاع يلعب دورًا هامًا في تحقيق النمو
الاقتصادي.
* **بطالة
منخفضة:** تتميز كوريا الجنوبية بمعدلات بطالة منخفضة، إذ تقدر بنحو 3 في المئة
بين عدد سكان 52 مليون نسمة حتى العام الحالي 2024. هذا المؤشر يعكس قوة سوق العمل
والقدرة على توفير فرص عمل.
**تحديات مستقبلية**
على الرغم من المقومات الاقتصادية القوية، تواجه
كوريا الجنوبية بعض التحديات المستقبلية، من أهمها:
* **تراجع
معدل النمو السكاني:** تواجه البلاد واحدة من أدنى معدلات الخصوبة عالميًا، مما
يشكل ضغطًا على القوى العاملة. هذه القضية تتطلب معالجات جذرية لضمان استدامة
النمو في المستقبل.
* **الاعتماد
على الصادرات:** بالرغم من أهمية الصادرات، إلا أن الاعتماد المفرط عليها يجعل
الاقتصاد الكوري عرضة للصدمات الخارجية، مثل التغيرات في الطلب العالمي أو الأزمات
الاقتصادية في الدول الشريكة.
**خلاصة**
يمكن القول إن الأزمة السياسية
الحالية في كوريا الجنوبية تمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة البلاد على تجاوز التحديات
السياسية والاقتصادية. فبالرغم من حالة عدم اليقين التي تخيم على المشهد، إلا أن
هناك بعض المؤشرات التي تدعو إلى التفاؤل الحذر، وذلك بفضل قوة الاقتصاد الكوري
ومرونته وتاريخه في الصمود. يبقى أن نرى كيف ستتطور الأوضاع في الأشهر القادمة،
وما إذا كانت كوريا الجنوبية ستنجح في الخروج من هذه الأزمة أكثر قوة وتماسكًا.